22 مليار دينار هي القيمة الإجمالية لكلفة دعم المواد الأساسية التي دفعتها المجموعة الوطنية خلال الفترة من 2010 إلى 2022 (دون احتساب دعم المحروقات). مع نسبة زيادة في تلك الكلفة بنسبة تفوق 400٪ من 2010 إلى 2022.
هذه الأرقام المفزعة هي من ضمن استخلاصات مهمة توصل إليها فريق مرصد رقابة بعد دراسة مستفيضة قام فيها بتجميع ومقارنة كل الارقام والاحصائيات والمعطيات الرسمية المتعلقة بدعم المواد الأساسية للفترة من 2010 إلى 2022.
وتبين الاحصائيات التي لخصناها في الجدول المرفق، أن نسق الزيادة في كلفة دعم المواد الأساسية ارتفع بنسب تفوق 25٪ سنويا سنتي 2011 و2012، ثم تواصل طيلة الفترة من 2014 إلى 2020 بمعدل نسب ضعيفة، قبل أن يعود للارتفاع بشكل سريع في 2021 (22٪ مقارنة ب2020)، وبشكل قياسي في ميزانية 2022 (71 ٪ مقارنة ب2021).
دعم الحبوب يمثل نصيب الأسد في الكلفة الجملية لدعم المواد الأساسية بمبلغ إجمالي طيلة الفترة المذكورة قارب 17 مليار دينار وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة أرباع الكلفة الجملية للدعم لتلك الفترة. يليها دعم الزيت النباتي (15٪)، ثم الحليب (5٪)، والعجين الغذائي (2٪)، ثم السكر والورق المدرسي بنسب ضعيفة.
بالعودة لرقم 22 مليار دينار، ولتقريب الصورة، هذا المبلغ يمثل تقريبا مجموع نفقات التأجير لكل أعوان الدولة والمنشآت العمومية لسنة 2022. ويمثل 3 مرات ونصف ميزانية وزارة التربية، وسبع مرات ميزانية الصحة، و10 مرات ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية، و12 مرة ميزانية وزراة الفلاحة لهذه السنة. هذا المبلغ يمثل خمس الناتج الداخلي الخام وتقريبا خمس ديون الدولة التونسية. ولو خصص هذا المبلغ بأكمله طيلة السنوات الماضية للبنية التحتية لأمكن بناء شبكة طرقات سيارة في البلاد بطول يفوق 2500 كم. ولو خصص عشره للفلاحة لأمكن توفير الاكتفاء الذاتي في الحبوب، بل لأصبحت تونس دولة مصدرة للقمح.
أرقام مفزعة تؤكد كيف أن منظومة دعم المواد الأساسية تتسبب في إهدار موارد خيالية للدولة التونسية، كان بإمكانها خلق التنمية، دون أن ينتج عنها تقليص للفقر ودعم حقيقي للمحتاجين والعاطلين عن العمل وضعاف الحال والفاقدين للسند. بل على العكس تماما، الجميع يعلم أن جزء كبيرا من هذا المبلغ ذهب إلى شبكات التهريب والاحتكار والمضاربة وغذى حسابات المتنفذين ولوبيات الفساد. وحسب تقديرات مرصد رقابة فإن نصف الموارد على الأقل ضاعت في هذه المتاهات ولم تصل إلى مستحقيها.
المشكل أن كل الحكومات منذ ما قبل الثورة إلى اليوم طرحت شعارات تطوير حوكمة منظومة دعم المواد الأساسية، وإحداث منظومات ادارية والكترونية لتوجيه الدعم فقط لمستحقيه. بالاضافة إلى شعارات القطع مع التهريب والاحتكار والتلاعب بالمواد المدعمة. ولكن لم يحصل أي تقدم في إنجاز تلك الوعود. على العكس تماما كل حكومة تأتي لتنقض جهد الحكومة التي سبقتها، وتدخل الموضوع في متاهة الاستثمار السياسوي، ثم تجد نفسها مدفوعة للزيادة في نسب الدعم بدواعي انتهازية لشراء السلم الاجتماعي. وآخرها وأخطرها ما فعلته الحكومة الحالية التي أقرت أكبر زيادة في نسبة الدعم في تاريخ البلاد، دون اتخاذ أي اجراءات جدية لاصلاح المنظومة. رغم تعهداتها لصالح صندوق النقد الدولي باصلاح منظومة الدعم، مثلما فعلته الحكومات السابقة.
معضلة منظومة الدعم لوحدها تلخص أزمة الدولة التونسية ونخبها: غياب الرؤية، ضعف الارادة، هيمنة أصحاب المصالح، الانتهازية المقيتة والجين في تنزيل البرامج الاصلاحية ذات الكلفة الشعبوية.
لن تحل مشكلة منظومة الدعم، ومشاكل البلاد، إلا إذا تخلصت الدولة التونسية ونخبها من هذه المعضلات.